إن الحياة بحر واسع، تارة تجد هذا البحر هادئًا وتارة تجده هائجًا، والطفل في هذا البحر، تجده يصارع هذه الأمواج فتارة تثور عليه، وتصفو له تارة أخرى.
(فمن الناس من يقوى أمام تيارها الصاخب مستعينًا بالله، ثم بالإرادة القوية والعزيمة الصادقة.
ومنهم من يضعف ويتخاذل فينهار أمام ضغط الحياة المتواصل فيهبط إلى القاع، قاع الحياة المليء بأمثاله من ضعاف الإرادة ومحطمي العزيمة، وقليلي الإيمان.
فإن أردت أن يكون ابنك مواجهًا لواقع تلك الحياة، قادرًا على هزيمة التيارات الغامضة في أعماقها، لا ينحني أمام هزاتها، فأنت في أمس الحاجة لتدريبه على تحمل المسئولية.
هذا التحمل الذي يطور شخصيته، فلا يكون مهددًا بالفشل، بل يصبح محطمًا لكل الصعاب) [اللمسة الإنسانية، محمد محمد بدري، ص(299)].
المسئولية تصنع الدور:
الطفل منذ أن يولد وهو في تعلم دائم، فدافع حب الاستطلاع لديه يولِّد لديه الطاقة لكي يتعرف على هذا العالم الجديد.,
ويبقى على هذا الحال حتى يتكون لديه مفهوم عن هذا العالم، فتجد الطفل وهو يحبي يبحث عن أي شيء يتمسك به، فيجلس يفحص ويبحث فيه.
وكثيرًا ما تجد الآباء والأمهات يخافون على طفلهما في هذه المرحلة، لأنه قد يلمس بيديه مفتاح للكهرباء.
ويأتي دور الوالدين في تعليم الطفل المسئولية لجعل تلك المعرفة التي تعلمها ذو قيمة ويستطيع استخدامها في مواجهة تحديات الحياة التي يعيشها، فالمسئولية هي التي تعطي للإنسان دوره في هذه الحياة.
وتجد أن أبًا من الآباء يشكو فيقول: إن ابني لا يريد أن يطيع أمري، والأم تقول: هذه البنت ترى من نفسها فتاة كبيرة.
أما الأبناء فيكون قولهم: إن أهلنا لا زالوا يعاملوننا على أننا صغار.
وللتغلب على هذا الحال، يجب أن نعلن بفرح أن أبناءنا قد كبروا، (فكم يثلج هذا الإعلان صدر الابن، كم يغذي إحساسه بذاته.
ومن بعد إعلاننا بفرح عن كبر الابن، لابد أن يتغير سلوكنا معه، فبدلًا من أن يشتري له أبوه دون مشورة منه ولا إشراك له في الأمر، ينبغي أن يأخذ رأيه.
ما رأيك في هذا الحذاء؟ ما رأيك في هذا القماش؟ ما رأيك في هذا اللون.
أو بدلًا من ذلك نعطيه النقود ونترك له حرية شراء أشيائه، مع التوجيه اللازم والنصائح اللازمة بطبيعة الحال، كما يمكن أن نشرك الأبناء في شئون الأسرة: ما رأيك في المشكلة الفلانية؟
ويمكن أيضًا أن نرسله بين الحين والحين نائبًا عن أبيه في قضاء الأمور، إننا بهذه الطريقة نكسب كسبين عظيمين في آن واحد، الأول هو حل عقدة نفسية للطفل وهي شعوره أننا لا نريد أن نعترف أنه كبر، والثاني أننا ندربه تدريبًا عمليًا على خبرات الحياة ومقتضياتها.
وهذا بلاشك يعمل على تنمية شخصية الابن بإتاحة الفرصة له للتعامل الفعلي مع المجتمع) [منهج التربية الإسلامية، محمد قطب، (2 205)].
التفويض الفعَّال يورث المسئولية:
إن من آكد الأمور التي تساعدك أيها الوالد الكريم في تدريب ولدك على المسئولية، هي أن تعطيه بعض المسئوليات والتي من خلالها يستطيع طفلك التدرب على المسئولية/
فمثلًا بإمكان الأب أن يكلف ابنه بأن يذهب لشراء بعض الأشياء التي يحتاجها البيت.
أو أن يعطيه مبلغًا صغيرًا من المال ثم يطلب منه أن يشتري حاجات في اليوم الفلاني وهكذا.
فإن (تفويضنا لأبنائنا في إنجاز العمل بأنفسهم، ننقل المسئولية إليهم، وندربهم عليها، ونعمد إلى تركيز طاقتهم نحو هذه الأعمال والنشاطات، فالتفويض يعني النماء والتطور، وذلك ينمي شخصياتهم، ويطور كفاياتهم.
فالأب الذي يفوض ابنه في شراء بعض الحاجيات للمنزل، أو الأم التي تفوض ابنتها في الإشراف على أخواتها، فإن هؤلاء سيصبحون مع مرور الوقت لديهم القدرة على الاعتماد على أنفسهم، والقيام بواجباتهم بكفاءة وفاعلية.
والذي يهمنا أن يكون التفويض متحررًا، لا تفويضًا متسلطًا يقيد حركة الطفل، ولا يعطيه الفرصة للنمو والإنتاجية.
والمربي الذي يقول لابنه: افعل هذا، ولا تفعل ذلك، اذهب هنا، ويحدد له ما يقوم به من أعمال بدقة، فهذا لا يعرف كيف يُقيم تفويضًا كاملًا.
حيث إنه يركز على الوسائل والأساليب المتبعة في التفويض، فيصبح مسئولًا عن النتائج، ولا يعرف كيف يعد ابنه لتحقيق النتائج المرجوة.
إن التفويض الصحيح هو الذي يقوم على إعطاء الإرادة الحرة للأبناء، ويحملهم المسئولية، ويركز على النتائج أكثر من تركيزه على الوسائل.
ويعطي حرية اختيار الطريقة أو الوسيلة التي يريدونها، ويجعلهم مسئولين عن النتائج، فيتعلمون من أخطائهم.
ويتدربون على إدارة العمل بثقة وقدرة) [25 طريقة لتصنع من ابنك رجلًا فذًا، أكرم مصباح عثمان، ص(127-129)، بتصرف يسير].
المسئولية والحاجة إلى تقدير الذات:
الحاجة إلى تقدير الذات تحتل قمة هرم ماسلو، فكل إنسان على هذا الكوكب، يحتاج إلى تقدير ذاته، عن طريق النجاح والشعور بالإنجاز والمسئولية.
ولا شيء يساعد على إشباع هذه الحاجة سوى المسئولية، فالطفل لا يشعر بذلك الإحساس الجميل إلا عندما يعطيه والده بعض المسئوليات ويشعر أنه والده يعتمد عليه (فالتخلي عن المسئولية الشخصية يجعل تقدير الذات.
وكذلك العلاقات الاجتماعية المهذبة والمتحترمة والطيبة شيء مستحيل، ويتحول هذا التخلي في أسوأ مظاهرة إلى تصريح بالقتل.
فإذا كنا نريد أن يكون عالمنا عالمًا ناجحًا وفعالًا، فإننا بحاجة إلى ثقافة تعتمد على المسئولية والمحاسبة) [المسئولية واستحقاق الثقة، ميشيل بوربا، ص(25)، بتصرف يسير].
الأنبياء وتعليم المسئولية:
يرى جميع المربين أن تنمية الشعور بالمسئولية لدى الطفل ينبغي أن يكون الهدف الذي تسعى إليه تربيته وتعليمه فيما تقدمه له من خبرات وتتبع معه من أساليب.
وذلك لأن الإنسان اللاهي العابث لن يفيد أمته ولا نفسه بشيء ذي بال.
وقد غرس الإسلام في نفوس أتباعه منذ فجر الدعوة الإحساس بمشاعر الأخوة والتزاماتها، ذلك أن الإحساس بالمسئولية تجاه الآخرين لن يتكون إلا نتيجة تحمل المسئولية فعلًا.
أي عن طريق المشاركة مع الآخرين من أفراد الجماعة في دراسة ومواجهة المشكلات العامة التي تضمهم وتربط بينهم جميعًا.
وهذا نموذج من توجيه النبوة يرشدنا إلى أسلوب بناء شخصية الناشئ، قال تعالى في قصة إبراهيم عليه السلام: {فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ} [الصافات: 102].
فلم يتعجل -عليه السلام- على ولده ليقضي أمر الله تعالى، وإنما شاوره لتكون الاستجابة عن رضا نفس، فاحترام شخصية الطفل وإشعاره بالثقة في نفسه خير معين له على تحمل المسئولية والقدرة على حمل التبعات.
كيف تنمي المسئولية بطفلك؟
ـ لا تحاول أن ترد عن الأسئلة نيابة عن طفلك، ولا تحاول إجباره على أداء ما لا يريد، ولا تحاول في ذات الوقت القيام بتلك الأعمال بدلًا منه، وإلا سوف يصبح أكثر سلبية.
ـ حاول (أن تشجع طفلك على الثقة بنفسه من خلال الثناء على سلوكه حين يقوم بمفرده ببعض الأعمال البسيطة، كلاحديث إلى أطفال لا يعرفهم في الحديثقة أو اللعب معهم
ـ تجنب أن تقول ليس هناك ما يدعو لهذا الخوف والخجل، إذا ظللت هكذا لن يحبك أحد، هيا يا أحمد أرجوك، كل تلك الكلمات التي تتوسل بها إلى ابنك لكي يصبح أكثر ثقة في نفسه ليس لها أدنى جدوى، وإنما الأفضل أن تدربه على التحدث مع الآخرين دون خوف أو خجل.
ـ كما يمكن أن تنمي ثقة الابن بذاته من خلال إبداء نقاط قوته "بني لقد كنت دائمًا قادرًا على فعل الأشياء الجيدة والقيام بالأعمال الصحيحة، إنني فخور لك وأنت أيضًا يجب أن تفخر بنفسك".
إذا وجدت لديك نقصًا في معرفة شيء فلا تظن أن أحدًا من البشر لديه المعرفة الكاملة عن كل شيء ولا تظن أن أحدًا يملك الحس الذي لا يخطئ) [اللمسة الإنسانية، محمد محمد بدري، ص(309)].
ـ ضع تصورًا زمنيًا لابنك والذي من خلاله سيكون قادرًا في النهاية على تحمل المسئولية بشكل كامل، فمثلًا لنفترض أنه بعد سنة يستطيع ابنك أن يتحمل المسئولية.
وهذا سيبدأ بخطوات فمثلًا الشهر الأول ستعطيه بعض النقود ليشتري أشياء للبيت، ثم الشهر الثاني، يبدأ في الذهاب لدفع فاتورة من فواتير البيت.
وهكذا حتى يصل في النهاية إلى القدرة على تحمل المسئولية الكاملة.
المصادر:
• اللمسة الإنسانية، محمد محمد بدري.
• المسئولية واستحقاق الثقة، ميشيل بوربا.
• منهج التربية الإسلامية، محمد قطب.
• 25 طريقة لتصنع من ابنك رجلًا فذًا، أكرم مصباح عثمان.
المصدر: موقع مفكرة الإسلام